الموقع يستخدم ملفات الارتباط Cookies ، وإذا تابعت التصفح فإنك توافق على هذا

الدورة ٦٩ للجمعية العامة للأمم المتحدة

السيد الرئيس، يسرني في البداية أَنْ أتقدمَ إليكم، ولبلدِكم الشقيق، بالتهنئةِ على توليكم رئاسةَ الجمعيةِ العامةِ لهذه الدورة، مُعرَبًا عن ثِقَتِنا في قيادتِكم الحكيمةِ لأعمالِها، ومساندتِنا لكم في أداءِ مهامِكُم.. وأنتَهزُ هذهِ الفرصة لتوجيهِ التحيةِ لسلفكم لجهودِه المتميزة كرئيس للدورةِ السابقة.. كما أجدد دعمنا الكامل للسكرتيرِ العام في مساعيه لتحقيقِ مقاصدِ ميثاق الأمم المتحدة.


أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
السيدات والسادة،
أقف أمامكم اليوم كواحدٍ من أبناءِ مصر، مهد الحضارة الانسانية، ومن هذا المنبر أستهل حديثي بتوجيه التحية لشعب مصر العظيم، والمصريين القادمين من كل الولايات الأمريكية، شعب مصر العظيم الذي صنعَ التاريخَ مرتين خلال الأعوام القليلة الماضية.. تارة عندما ثار ضد الفساد وسلطة الفرد، وطالب بحقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. وتارة أخرى، عندما تمسك بهويته، وتحصن بوطنيته، فثارَ ضد الإقصاء، رافضاً الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين، وتفضيل مصالحها الضيقة على مصالح الشعب.
تلك بإيجاز شديد، معالم اللحظات الفارقة التي عاشتها مصر في الفترة الماضية، لكنها ليست إلا مرحلة من مسيرة ممتدة، بطول وباتساع آمال وتطلعات المصريين، ليومٍ أفضل وغدٍ أكثر ازدهارًا.


لقد بدأ العالم في إدراك حقيقة ما جرى في مصر، وطبيعة الأوضاع التي دفعت الشعب المصري، بوعيه وحضارته، إلى الخروج منتفضًا ضد قوى التطرف والظلام، التي ما لبثت أن وصلت إلى الحكم، حتى قوضت أسس العملية الديمقراطية ودولة المؤسسات، وسعت إلى فرض حالة من الاستقطاب لشق وحدة الشعب وصفه.. ولعل ما تشهده المنطقة حاليًا، من تصاعد التطرف والعنف باسم الدين، يمثل دليلًا على الأهداف الحقيقية لتلك الجماعات التي تستغل الدين، وهو ما سبق لنا أن حذرنا منه مرارًا وتكرارًا. إن قيم العدل والمحبة والرحمة التي جاءت في اليهودية والمسيحية والإسلام قد تحولت على يد تلك الجماعات إلى طائفية مقيتة وحروب أهلية واقليمية مدمرة يقع ضحيتها أبرياء من أديان مختلفة.


السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
يُدرِكُ الشعبُ المصري، وأُدرِكُ من واقع المسئولية التي اتحملها منذ انتخابي رئيسًا، أن تحقيق أهدافنا بدأ ببناء دولة مدنية ديمقراطية، في ظل المبادئ التي سعينا إليها من خلال الاِلتزام بخارطة المستقبل، التي توافقت عليها القوى الوطنية المصرية، والتي تكتمل بإجراء الانتخابات البرلمانية، بعد أن قال الشعب المصري كلمته، وعبر عن إرادته الحرة في الانتخابات الرئاسية ومن قبلها الدستور، لنبني " مصر الجديدة ".. دولةٌ تحترم الحقوق والحريات وتؤدى الواجبات، تضمن العيش المشترك لمواطنيها دون إقصاء أو تمييز.. دولةٌ تحترم وتفرض سلطةَ القانون الذي يستوي أمامَهُ الكافة، وتَضْمَنُ حريةَ الرأي للجميع، وتَكْفُلُ حريةَ العقيدةِ والعبادةِ لأبنائها.. دولةٌ تسعى بإصرار لتحقيق النمو والازدهار، والانطلاق نحو مستقبل واعد يلبى طموحات شعبها.


وفى إطار العمل على تنفيذ ذلك، بدأت مصر في تنفيذ برنامج شامل طموح لدفع عملية التنمية حتى عام ٢٠٣٠، يستهدف الوصول إلى اقتصاد سوق حر، قادر على جذب الاستثمارات في بيئة أمنية مستقرة.. ولعل في مشروع قناة السويس الجديدة، هدية الشعب المصري إلى العالم، ما يؤكد على جديه هذا التوجه، وعلى حرص " مصر الجديدة " على بناء غدٍ أفضل لأبنائنا وشبابنا، ولذا أدعوكم للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي الذي سيُعقد في مصر خلال شهر فبراير القادم، من أجل تحقيق التنمية وبناء المستقبل، ليس لمصر فحسب، وإنما للمنطقة بأكملها.


إن هذه الخطوات تُعَبِرُ باختصار عن مضمون العقد الاجتماعي، الذي توافق عليه المصريون في دستورهم الجديد، لبناء حاضر ومستقبل مشرق لشبابنا، ولتأسيس دولة المؤسسات وسيادة القانون، التي تحترم القضاء، وتضمن استقلاله، وتُفَعِّل مبدأ الفصل بين السلطات، دون تراجع أمام إرهاب يظن أن بمقدوره اختطاف الوطن وإخضاعه.
ذلك الإرهاب الذي عانت مصر من ويلاته منذ عشرينيات القرن الماضي، حين بدأت إرهاصات هذا الفكر البغيض تبث سمومها، مستترة برداء الدين للوصول إلى الحكم وتأسيس دولة الخلافة، اِعتمادًا على العنف المسلح والإرهاب كسبيل لتحقيق أغراضها. وهنا أريد أن أؤكد، أنه لا ينبغي السماح لهؤلاء الإساءة للدين الإسلامي الحنيف، ولمليار ونصف المليار مسلم، الذين يتمسكون بقيمه السامية؛ فالدين أسمى وأقدس من أن يوضع موضع الاختبار في أية تجارب إنسانية، ليتم الحكم عليه بالنجاح أو الفشل.


إن الإرهاب وباءٌ لا يفرق في تفشيه بين مجتمع نام وآخر متقدم.. فالإرهابيون ينتمون إلى مجتمعات متباينة، لا تربطهم أية عقيدة دينية حقيقية، مما يحتم علينا جميعًا، تكثيف التعاون والتنسيق لتجفيف منابع الدعم الذي يتيح للتنظيمات الإرهابية مواصلة جرائمها، إعمالاً لمبادئ ميثاق الأمم لمتحدة وتحقيقاً لأهدافها.


السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
إن ما تعانيه منطقتنا من مشكلات ناجمة عن إفساح المجال لقوى التطرف المحلية والإقليمية، وحالة الاستقطاب إلى حد الانقسام والاقتتال، أضحى خطراً جسيماً يهدد بقاء الدول ويبدد هويتها.. مما خلق للإرهاب وتنظيماته بيئة خصبة للتمدد وبسط النفوذ.
ومن هذا المنطلق، فإن الأزمات التي تواجه بعض دول المنطقة، يمكن أن تجد سبيلًا للحل يستند على محورين رئيسيين، لدعم بناء الدولة القومية: يشمل الأول، تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناءً على عقد اجتماعي وتوافق وطني، مع توفير كافة الحقوق، لاسيما الحق في التنمية الشاملة، بما يُحصِن المجتمعات ضد الاستغلال والانسياق خلف الفكر المتطرف؛ أما المحور الثاني، فهو المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب، ولمحاولات فرض الرأي بالترويع والعنف، وإقصاء الآخر بالاستبعاد والتكفير.


وقد طرحت مصر بالفعل، وبتوافق مع دول جوار ليبيا، مبادرة ترسم خطوات محددة وأفقاً واضحاً لإنهاء محنة هذا البلد الشقيق، يمكن البناء عليها للوصول إلى حل سياسي يدعم المؤسسات الليبية المنتخبة، ويسمح بالوصول إلى حل سياسي شامل، يضمن وقف الاقتتال ويحفظ وحدة الأراضي الليبية، وحتى يمكن تنفيذ ذلك، ينبغي وقف تهريب السلاح إلى ليبيا بشكل فعال، وعدم التساهل مع التيارات المتطرفة التي ترفع السلاح، وتلجأ للعنف، ولا تعترف بالعملية الديمقراطية.


وفى سوريا الشقيقة، وعلى الرغم من متابعتنا للوضع الإنساني المحزن، وما خلفته الأزمة السورية من دمار وضحايا أبرياء، فإنني أثق في إمكانية وضع إطار سياسي، يكفل تحقيق تطلعات شعبها، وبلا مهادنة للإرهاب أو استنساخ لأوضاع تمردَ السوريون عليها.. وأود أن أؤكد، دعم مصر لتطلعات الشعب السوري في حياة آمنة، تضمن استقرار سوريا وتصون سلامتها الإقليمية، ووحدة شعبها وأراضيها.


كما يمثل تشكيل حكومة جديدة في دولة العراق الشقيقة، وحصولها على ثقة البرلمان تطورًا هامًا، يعيد الأمل في الانطلاق نحو تحسن الأوضاع في العراق، ونجاح المساعي الداخلية والخارجية الرامية إلى تحقيق الاستقرار، واستعادة المناطق التي وقعت تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، بهدف الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية، ووقف نزيف الدماء.


وعلى الرغم من تعدد الأزمات التي تهدد منطقتنا، والتي تحدثت عن بعضها، تبقى القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات الدولة المصرية.. فمازال الفلسطينيون يطمحون لإقامة دولتهم المستقلة على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، وعاصمتها " القدس الشرقية "، تجسيداً لذات المبادئ التي بُنِيت عليها مسيرة السلام بمبادرة مصرية، منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي مبادئ لا تخضع للمساومة وإلا تآكلت أسس السلام الشامل في المنطقة، وضاعت قيم العدالة والإنسانية.. ويقينًا، فإن اِستمرار حرمان شعب فلسطين من حقوقه، يوفر مدخلًا لاستغلال قضيته لتأجيج أزمات أخرى، ولتحقيق البعض لأغراض خفية، واختلاق المحاور التي تُـفَـتِتُ النسيج العربي، وفرض الوصاية على الفلسطينيين، بزعم تحقيق تطلعاتهم.


ولا يمكن أن أغفل الإشارة إلى الاهتمام الذي توليه مصر لقضايا قارتها الافريقية. إن التضامن والإخاء الذي يجمع بين شعوبها وأيضًا التحديات المشتركة التي تواجهها، تفرض علينا العمل بمزيد من الجد ووضوح الرؤية لتحقيق طموحات شعوبنا، في الديمقراطية والتنمية، والحفاظ على كرامة الفرد، وايلاء الاهتمام الواجب لشبابنا، وتطلعهم لمستقبل أكثر إشراقًا، إن نجاحنا في ذلك هو ضمان مستقبل دولنا.


وأدعو من هذا المنبر أن يتكاتف المجتمع الدولي، انطلاقًا من إنسانيتنا المشتركة للتصدي لوباء الايبولا، الذي تتعرض له عدد من دول غرب افريقيا. إن مكافحة هذا المرض هي مسئولية جماعية لرفع المعاناة عن غير القادرين، كذلك لتوفير الحماية لعالمنا الذي تنحسر المسافات فيما بين أرجائه بفضل طبيعة العصر وما بلغه من كثافة التواصل.


السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
إن ما سبق يضع مسئولية خاصة على مصر، ودولتها القوية التي سبق لها مواجهة الإرهاب والتطرف في تسعينيات القرن الماضي، والتي أثق في نجاحها في اجتثاث جذور التطرف، بفضل هويتها الوطنية.. ومصر قادرة دومًا، على أن تكون منارة حضارية تدعم استعادة النظام الإقليمي لتماسكه.. ولن يتوانى المصريون عن القيام بدورهم هذا، تجاه محيطهم، الذي يأتي في القلب منه، الأمن القومي العربي، والذي تعتبره مصر جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي، بناءً على الاِنتماء المشترك، والمصير الواحد، وحرصًا على استقرار هذه المنطقة الهامة والحيوية للعالم.


إن رؤية مصر للعلاقات الدولية، تقوم على احترام مبادئ القانون والمعاهدات والمواثيق الدولية، القائمة على الاِحترام المتبادل، ومراعاة المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة.. ومصر كما تعلمون من الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة، وساهمت بقوة وما تزال، في جهود تحقيق أهدافها، خاصة في مجالات حفظ وبناء السلام وتحقيق التنمية.. ومن هنا؛ فإن تطلع مصر للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن لعامي ٢٠١٦ و٢٠١٧، ينبع من حرصها على توظيف عضويتها، لتحقيق مقاصد المنظمة ومصالح الدول النامية لاسيما في إفريقيا، والمضي بجدية لإصلاح منظومة الأمم المتحدة، ضمن رؤية قوامها الندية والمساواة.. ولذا، فإنني أدعو الدول الأعضاء لدعم ترشح مصر لعضوية مجلس الأمن الدولي.


السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
نقلت إليكم وبكل تواضع، رسالة المصريين، نساؤهم قبل الرجال، وشبابهم قبل الشيوخ.. وهي رسالة تعبر عن الأمل وعن الإرادة والتصميم على العمل، وعن الانفتاح للتعاون مع الجميع، لتخطى كل العقبات والصعاب.. مؤكدًا أن شعب مصر بعد ثورتيه، بات المصدر الوحيد لما نتخذه من سياسات داخلية وخارجية، في إطار سعينا لتحقيق الاستقرار والتنمية.. تلك هي مصر التي اِستعادت ثقتها بنفسها.. مصر التي تُعْلِى قيم القانون والحرية.. مصر بهويتها العربية وجذورها الأفريقية، مهد حضارة المتوسط، ومنارة الإسلام المعتدل.. مصر التي تصبو نحو تسوية الصراعات في منطقتها.. مصر التي ترنو إلى تحقيق قيم العدل والإنسانية في عالمها.. وإنني على يقين من قدرة المصريين على العطاء، فهي الميراث الذي خلفه أجدادنا، وهي مَعِينُنَا الذي لا ينضبُ بإذن الله.


تحيا مصر ... تحيا مصر ... تحيا مصر ...
وتحيا شعوب الأرض المحبة للسلام ...
وتحيا مبادئ الإنسانية وقيم التسامح والتعايش المشترك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

Icon
Icon
Icon
٢٥ / ٠٩ / ٢٠١٤ - ٢٥ / ٠٩ / ٢٠١٤

الدورة ٦٩ للجمعية العامة للأمم المتحدة

السيد الرئيس، يسرني في البداية أَنْ أتقدمَ إليكم، ولبلدِكم الشقيق، بالتهنئةِ على توليكم رئاسةَ الجمعيةِ العامةِ لهذه الدورة، مُعرَبًا عن ثِقَتِنا في قيادتِكم الحكيمةِ لأعمالِها، ومساندتِنا لكم في أداءِ مهامِكُم.. وأنتَهزُ هذهِ الفرصة لتوجيهِ التحيةِ لسلفكم لجهودِه المتميزة كرئيس للدورةِ السابقة.. كما أجدد دعمنا الكامل للسكرتيرِ العام في مساعيه لتحقيقِ مقاصدِ ميثاق الأمم المتحدة.


أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
السيدات والسادة،
أقف أمامكم اليوم كواحدٍ من أبناءِ مصر، مهد الحضارة الانسانية، ومن هذا المنبر أستهل حديثي بتوجيه التحية لشعب مصر العظيم، والمصريين القادمين من كل الولايات الأمريكية، شعب مصر العظيم الذي صنعَ التاريخَ مرتين خلال الأعوام القليلة الماضية.. تارة عندما ثار ضد الفساد وسلطة الفرد، وطالب بحقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. وتارة أخرى، عندما تمسك بهويته، وتحصن بوطنيته، فثارَ ضد الإقصاء، رافضاً الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين، وتفضيل مصالحها الضيقة على مصالح الشعب.
تلك بإيجاز شديد، معالم اللحظات الفارقة التي عاشتها مصر في الفترة الماضية، لكنها ليست إلا مرحلة من مسيرة ممتدة، بطول وباتساع آمال وتطلعات المصريين، ليومٍ أفضل وغدٍ أكثر ازدهارًا.


لقد بدأ العالم في إدراك حقيقة ما جرى في مصر، وطبيعة الأوضاع التي دفعت الشعب المصري، بوعيه وحضارته، إلى الخروج منتفضًا ضد قوى التطرف والظلام، التي ما لبثت أن وصلت إلى الحكم، حتى قوضت أسس العملية الديمقراطية ودولة المؤسسات، وسعت إلى فرض حالة من الاستقطاب لشق وحدة الشعب وصفه.. ولعل ما تشهده المنطقة حاليًا، من تصاعد التطرف والعنف باسم الدين، يمثل دليلًا على الأهداف الحقيقية لتلك الجماعات التي تستغل الدين، وهو ما سبق لنا أن حذرنا منه مرارًا وتكرارًا. إن قيم العدل والمحبة والرحمة التي جاءت في اليهودية والمسيحية والإسلام قد تحولت على يد تلك الجماعات إلى طائفية مقيتة وحروب أهلية واقليمية مدمرة يقع ضحيتها أبرياء من أديان مختلفة.


السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
يُدرِكُ الشعبُ المصري، وأُدرِكُ من واقع المسئولية التي اتحملها منذ انتخابي رئيسًا، أن تحقيق أهدافنا بدأ ببناء دولة مدنية ديمقراطية، في ظل المبادئ التي سعينا إليها من خلال الاِلتزام بخارطة المستقبل، التي توافقت عليها القوى الوطنية المصرية، والتي تكتمل بإجراء الانتخابات البرلمانية، بعد أن قال الشعب المصري كلمته، وعبر عن إرادته الحرة في الانتخابات الرئاسية ومن قبلها الدستور، لنبني " مصر الجديدة ".. دولةٌ تحترم الحقوق والحريات وتؤدى الواجبات، تضمن العيش المشترك لمواطنيها دون إقصاء أو تمييز.. دولةٌ تحترم وتفرض سلطةَ القانون الذي يستوي أمامَهُ الكافة، وتَضْمَنُ حريةَ الرأي للجميع، وتَكْفُلُ حريةَ العقيدةِ والعبادةِ لأبنائها.. دولةٌ تسعى بإصرار لتحقيق النمو والازدهار، والانطلاق نحو مستقبل واعد يلبى طموحات شعبها.


وفى إطار العمل على تنفيذ ذلك، بدأت مصر في تنفيذ برنامج شامل طموح لدفع عملية التنمية حتى عام ٢٠٣٠، يستهدف الوصول إلى اقتصاد سوق حر، قادر على جذب الاستثمارات في بيئة أمنية مستقرة.. ولعل في مشروع قناة السويس الجديدة، هدية الشعب المصري إلى العالم، ما يؤكد على جديه هذا التوجه، وعلى حرص " مصر الجديدة " على بناء غدٍ أفضل لأبنائنا وشبابنا، ولذا أدعوكم للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي الذي سيُعقد في مصر خلال شهر فبراير القادم، من أجل تحقيق التنمية وبناء المستقبل، ليس لمصر فحسب، وإنما للمنطقة بأكملها.


إن هذه الخطوات تُعَبِرُ باختصار عن مضمون العقد الاجتماعي، الذي توافق عليه المصريون في دستورهم الجديد، لبناء حاضر ومستقبل مشرق لشبابنا، ولتأسيس دولة المؤسسات وسيادة القانون، التي تحترم القضاء، وتضمن استقلاله، وتُفَعِّل مبدأ الفصل بين السلطات، دون تراجع أمام إرهاب يظن أن بمقدوره اختطاف الوطن وإخضاعه.
ذلك الإرهاب الذي عانت مصر من ويلاته منذ عشرينيات القرن الماضي، حين بدأت إرهاصات هذا الفكر البغيض تبث سمومها، مستترة برداء الدين للوصول إلى الحكم وتأسيس دولة الخلافة، اِعتمادًا على العنف المسلح والإرهاب كسبيل لتحقيق أغراضها. وهنا أريد أن أؤكد، أنه لا ينبغي السماح لهؤلاء الإساءة للدين الإسلامي الحنيف، ولمليار ونصف المليار مسلم، الذين يتمسكون بقيمه السامية؛ فالدين أسمى وأقدس من أن يوضع موضع الاختبار في أية تجارب إنسانية، ليتم الحكم عليه بالنجاح أو الفشل.


إن الإرهاب وباءٌ لا يفرق في تفشيه بين مجتمع نام وآخر متقدم.. فالإرهابيون ينتمون إلى مجتمعات متباينة، لا تربطهم أية عقيدة دينية حقيقية، مما يحتم علينا جميعًا، تكثيف التعاون والتنسيق لتجفيف منابع الدعم الذي يتيح للتنظيمات الإرهابية مواصلة جرائمها، إعمالاً لمبادئ ميثاق الأمم لمتحدة وتحقيقاً لأهدافها.


السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
إن ما تعانيه منطقتنا من مشكلات ناجمة عن إفساح المجال لقوى التطرف المحلية والإقليمية، وحالة الاستقطاب إلى حد الانقسام والاقتتال، أضحى خطراً جسيماً يهدد بقاء الدول ويبدد هويتها.. مما خلق للإرهاب وتنظيماته بيئة خصبة للتمدد وبسط النفوذ.
ومن هذا المنطلق، فإن الأزمات التي تواجه بعض دول المنطقة، يمكن أن تجد سبيلًا للحل يستند على محورين رئيسيين، لدعم بناء الدولة القومية: يشمل الأول، تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناءً على عقد اجتماعي وتوافق وطني، مع توفير كافة الحقوق، لاسيما الحق في التنمية الشاملة، بما يُحصِن المجتمعات ضد الاستغلال والانسياق خلف الفكر المتطرف؛ أما المحور الثاني، فهو المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب، ولمحاولات فرض الرأي بالترويع والعنف، وإقصاء الآخر بالاستبعاد والتكفير.


وقد طرحت مصر بالفعل، وبتوافق مع دول جوار ليبيا، مبادرة ترسم خطوات محددة وأفقاً واضحاً لإنهاء محنة هذا البلد الشقيق، يمكن البناء عليها للوصول إلى حل سياسي يدعم المؤسسات الليبية المنتخبة، ويسمح بالوصول إلى حل سياسي شامل، يضمن وقف الاقتتال ويحفظ وحدة الأراضي الليبية، وحتى يمكن تنفيذ ذلك، ينبغي وقف تهريب السلاح إلى ليبيا بشكل فعال، وعدم التساهل مع التيارات المتطرفة التي ترفع السلاح، وتلجأ للعنف، ولا تعترف بالعملية الديمقراطية.


وفى سوريا الشقيقة، وعلى الرغم من متابعتنا للوضع الإنساني المحزن، وما خلفته الأزمة السورية من دمار وضحايا أبرياء، فإنني أثق في إمكانية وضع إطار سياسي، يكفل تحقيق تطلعات شعبها، وبلا مهادنة للإرهاب أو استنساخ لأوضاع تمردَ السوريون عليها.. وأود أن أؤكد، دعم مصر لتطلعات الشعب السوري في حياة آمنة، تضمن استقرار سوريا وتصون سلامتها الإقليمية، ووحدة شعبها وأراضيها.


كما يمثل تشكيل حكومة جديدة في دولة العراق الشقيقة، وحصولها على ثقة البرلمان تطورًا هامًا، يعيد الأمل في الانطلاق نحو تحسن الأوضاع في العراق، ونجاح المساعي الداخلية والخارجية الرامية إلى تحقيق الاستقرار، واستعادة المناطق التي وقعت تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، بهدف الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية، ووقف نزيف الدماء.


وعلى الرغم من تعدد الأزمات التي تهدد منطقتنا، والتي تحدثت عن بعضها، تبقى القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات الدولة المصرية.. فمازال الفلسطينيون يطمحون لإقامة دولتهم المستقلة على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، وعاصمتها " القدس الشرقية "، تجسيداً لذات المبادئ التي بُنِيت عليها مسيرة السلام بمبادرة مصرية، منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي مبادئ لا تخضع للمساومة وإلا تآكلت أسس السلام الشامل في المنطقة، وضاعت قيم العدالة والإنسانية.. ويقينًا، فإن اِستمرار حرمان شعب فلسطين من حقوقه، يوفر مدخلًا لاستغلال قضيته لتأجيج أزمات أخرى، ولتحقيق البعض لأغراض خفية، واختلاق المحاور التي تُـفَـتِتُ النسيج العربي، وفرض الوصاية على الفلسطينيين، بزعم تحقيق تطلعاتهم.


ولا يمكن أن أغفل الإشارة إلى الاهتمام الذي توليه مصر لقضايا قارتها الافريقية. إن التضامن والإخاء الذي يجمع بين شعوبها وأيضًا التحديات المشتركة التي تواجهها، تفرض علينا العمل بمزيد من الجد ووضوح الرؤية لتحقيق طموحات شعوبنا، في الديمقراطية والتنمية، والحفاظ على كرامة الفرد، وايلاء الاهتمام الواجب لشبابنا، وتطلعهم لمستقبل أكثر إشراقًا، إن نجاحنا في ذلك هو ضمان مستقبل دولنا.


وأدعو من هذا المنبر أن يتكاتف المجتمع الدولي، انطلاقًا من إنسانيتنا المشتركة للتصدي لوباء الايبولا، الذي تتعرض له عدد من دول غرب افريقيا. إن مكافحة هذا المرض هي مسئولية جماعية لرفع المعاناة عن غير القادرين، كذلك لتوفير الحماية لعالمنا الذي تنحسر المسافات فيما بين أرجائه بفضل طبيعة العصر وما بلغه من كثافة التواصل.


السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
إن ما سبق يضع مسئولية خاصة على مصر، ودولتها القوية التي سبق لها مواجهة الإرهاب والتطرف في تسعينيات القرن الماضي، والتي أثق في نجاحها في اجتثاث جذور التطرف، بفضل هويتها الوطنية.. ومصر قادرة دومًا، على أن تكون منارة حضارية تدعم استعادة النظام الإقليمي لتماسكه.. ولن يتوانى المصريون عن القيام بدورهم هذا، تجاه محيطهم، الذي يأتي في القلب منه، الأمن القومي العربي، والذي تعتبره مصر جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي، بناءً على الاِنتماء المشترك، والمصير الواحد، وحرصًا على استقرار هذه المنطقة الهامة والحيوية للعالم.


إن رؤية مصر للعلاقات الدولية، تقوم على احترام مبادئ القانون والمعاهدات والمواثيق الدولية، القائمة على الاِحترام المتبادل، ومراعاة المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة.. ومصر كما تعلمون من الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة، وساهمت بقوة وما تزال، في جهود تحقيق أهدافها، خاصة في مجالات حفظ وبناء السلام وتحقيق التنمية.. ومن هنا؛ فإن تطلع مصر للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن لعامي ٢٠١٦ و٢٠١٧، ينبع من حرصها على توظيف عضويتها، لتحقيق مقاصد المنظمة ومصالح الدول النامية لاسيما في إفريقيا، والمضي بجدية لإصلاح منظومة الأمم المتحدة، ضمن رؤية قوامها الندية والمساواة.. ولذا، فإنني أدعو الدول الأعضاء لدعم ترشح مصر لعضوية مجلس الأمن الدولي.


السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
نقلت إليكم وبكل تواضع، رسالة المصريين، نساؤهم قبل الرجال، وشبابهم قبل الشيوخ.. وهي رسالة تعبر عن الأمل وعن الإرادة والتصميم على العمل، وعن الانفتاح للتعاون مع الجميع، لتخطى كل العقبات والصعاب.. مؤكدًا أن شعب مصر بعد ثورتيه، بات المصدر الوحيد لما نتخذه من سياسات داخلية وخارجية، في إطار سعينا لتحقيق الاستقرار والتنمية.. تلك هي مصر التي اِستعادت ثقتها بنفسها.. مصر التي تُعْلِى قيم القانون والحرية.. مصر بهويتها العربية وجذورها الأفريقية، مهد حضارة المتوسط، ومنارة الإسلام المعتدل.. مصر التي تصبو نحو تسوية الصراعات في منطقتها.. مصر التي ترنو إلى تحقيق قيم العدل والإنسانية في عالمها.. وإنني على يقين من قدرة المصريين على العطاء، فهي الميراث الذي خلفه أجدادنا، وهي مَعِينُنَا الذي لا ينضبُ بإذن الله.


تحيا مصر ... تحيا مصر ... تحيا مصر ...
وتحيا شعوب الأرض المحبة للسلام ...
وتحيا مبادئ الإنسانية وقيم التسامح والتعايش المشترك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.